تمرين الديدليفت ليس مجرد حركة تقوّي العضلات، بل هو مقياس حقيقي للقوّة والانضباط. ومع ذلك، لا يوجد تمرين يثير القلق بين الرياضيين مثله، خصوصًا عندما يظهر ألم في أسفل الظهر بعد الجلسة.
يتساءل الكثيرون:
هل هذا الألم طبيعي ناتج عن الجهد العضلي؟ أم علامة إصابة تستدعي القلق؟
الديدليفت يعتمد على تفاعل معقّد بين عضلات الساقين، الورك، الظهر، والجذع. وأي خلل في التقنية أو الإفراط في الحمل قد يؤدي إلى ضغط غير متوازن على الفقرات القطنية.
لكن من المهم أن ندرك أن ليست كل آلام أسفل الظهر خطيرة — بعضها طبيعي تمامًا ويعبّر فقط عن إجهاد مؤقت للعضلات.
في هذا المقال، سنقدّم دليلًا علميًا وعمليًا يوضح لك:
- متى يكون الألم بعد الديدليفت طبيعيًا؟
- ومتى يكون إنذارًا يجب التعامل معه بجدية؟
- وكيف تتعامل مع الألم بطريقة صحيحة لتعود أقوى من قبل؟

لماذا يظهر الألم بعد الديدليفت؟ الأسباب العلمية وراء الظاهرة
الديدليفت يُعتبر تمرينًا مركّبًا يُشغِّل تقريبًا كل عضلات الجسم، لكن التركيز الأكبر يقع على سلسلة العضلات الخلفية:
عضلات الهامسترينغ (أوتار الفخذ الخلفية)، الألوية الكبرى (الغلوتس)، عضلات أسفل الظهر (الإريكتور سبايني)، والعضلات المستقرة حول العمود الفقري.
عندما تنفَّذ الرفعة بشكل صحيح، تتحمّل هذه المجموعات الجهد بالتساوي، مما يؤدي إلى تعب عضلي طبيعي بعد التمرين.
لكن في حال وجود خلل بسيط في التقنية أو التوازن العضلي، يتغيّر توزيع الحمل، فيتحمّل أسفل الظهر عبئًا أكبر من المفترض، وهنا يبدأ الألم.
الأسباب الرئيسية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. تعب عضلي طبيعي
بعد جلسة ديدليفت قوية، يحدث تمزّق دقيق في ألياف العضلات (Microtears).
هذا النوع من الألم يظهر عادة بعد 12–24 ساعة، ويُعرف باسم DOMS (Delayed Onset Muscle Soreness).
يكون الألم خفيفًا إلى متوسط، يزول خلال 48–72 ساعة، ولا يصاحبه أي وخز أو شعور بحرقة أو تيبّس حاد.
هذا النوع طبيعي تمامًا بل ويدل على تكيّف العضلات ونموّها.
2. إجهاد مفرط لعضلات أسفل الظهر
عند استخدام وزن أعلى من قدرة الجسم الحالية، أو عند تنفيذ الرفعة بسرعة دون تثبيت الجذع، تتعرّض العضلات العميقة في أسفل الظهر لإجهاد زائد.
هذا يؤدي إلى ألم حارق يظهر مباشرة بعد التمرين، ويستمر لعدة أيام.
ورغم أنه لا يُعدّ إصابة خطيرة غالبًا، إلا أنه إنذار مبكر بوجوب تخفيف الحمل وتحسين التقنية.
3. تقنية خاطئة أثناء الرفعة
أحد أكثر الأسباب شيوعًا هو انحناء العمود الفقري أثناء الرفع، أو رفع الوزن بذراعين قبل تفعيل عضلات الأرجل والورك.
في هذه الحالة، يتحمّل أسفل الظهر كامل العبء بدلًا من الجذع والورك، ما قد يؤدي إلى التهاب الأربطة أو انضغاط الأقراص بين الفقرات.
هذا النوع من الألم عادة حاد، ومركّز في نقطة واحدة، وقد يترافق مع صعوبة في الانحناء أو الدوران.
4. غياب الإحماء أو التمدّد الكافي
الدخول مباشرة إلى أوزان ثقيلة دون تفعيل العضلات يعرّض الأنسجة لشدّ مفاجئ، خصوصًا في الفقرات القطنية.
الإحماء الجيد وتمارين التفعيل (مثل Glute Bridge وHip Hinge) يمكن أن يقلّلا من خطر الألم بنسبة كبيرة.
متى يكون الألم طبيعيًا ومتى يصبح خطرًا؟
ليس كل ألم بعد تمرين الديدليفت يستدعي القلق، لكن من المهم أن تتعلّم تمييز الإشارات الصحيّة من العلامات التحذيرية.
فهم هذه الفروقات يحميك من الوقوع في دائرة الإصابات المزمنة التي تعيق التقدّم الرياضي.
الألم الطبيعي (العضلي)
يُعتبر الألم طبيعيًا عندما:
- يظهر خلال 12 إلى 24 ساعة بعد التمرين.
- يكون خفيفًا إلى متوسط الشدة، ويشبه الإحساس بالتيبّس أو الشدّ العضلي العادي.
- لا يمتدّ إلى الساقين ولا يرافقه تنميل أو وخز.
- يخف تدريجيًا خلال يومين إلى ثلاثة أيام.
- يتحسّن مع الحركة الخفيفة والتمدد وليس الراحة المطلقة.
هذا النوع من الألم يشير إلى عملية تكيّف عضلي إيجابية، حيث تتعافى الألياف وتصبح أقوى وأكثر تحمّلًا.
الألم الخطر (الإصابة أو الإجهاد الشديد)
في المقابل، يجب أن تتعامل بجدية مع الألم إذا لاحظت إحدى العلامات التالية:
- ألم حاد أو مفاجئ أثناء الرفعة نفسها، كأنك شعرت “بقطع” أو “طعنة” في أسفل الظهر.
- ألم يمتدّ إلى المؤخرة أو الفخذ أو أسفل الساق — قد يدل على ضغط في العصب الوركي (sciatica).
- تنميل أو وخز في إحدى الساقين.
- صعوبة في الانحناء أو الجلوس أو الوقوف من السرير بعد التمرين.
- استمرار الألم أكثر من 4 أيام دون تحسّن واضح.
- ألم يزداد عند العطس أو السعال (علامة على انضغاط فقري محتمل).
إذا ظهرت هذه الأعراض، فذلك يشير إلى أنّ المشكلة تتجاوز الإجهاد العضلي، وقد تكون ناتجة عن انزلاق غضروفي أو التهاب في الأربطة المحيطة بالفقرات القطنية.
في هذه الحالة، من الأفضل التوقف عن التمارين فورًا واستشارة أخصائي علاج طبيعي أو طبيب عظام.
كيف تتعامل مع ألم أسفل الظهر بعد الديدليفت؟
حتى لو كان الألم ناتجًا عن شدّ عضلي طبيعي، التعامل الصحيح معه يحدد سرعة تعافيك واستمرارك في التقدّم.
القاعدة الأساسية هنا بسيطة: لا تُهمل الألم، لكن لا تُفزع منه أيضًا.
إليك الخطوات العملية للتعامل الذكي مع ألم أسفل الظهر:
1. في أول 24 ساعة: استخدم التبريد والراحة النشطة
- ضع كمّادة باردة على المنطقة المؤلمة لمدة 15–20 دقيقة كل 3–4 ساعات.
- تجنّب البقاء في السرير طوال اليوم، لأن الثبات يزيد التيبّس.
- قم بالمشي الخفيف أو تمدد بسيط يحافظ على تدفق الدم إلى المنطقة.
- تجنّب أي رفع أو حركات انحناء مفاجئة.
2. بعد 48 ساعة: انتقل إلى التمدد والحرارة الخفيفة
- استخدم الكمّادات الدافئة أو دش ماء ساخن لتخفيف الشد العضلي.
- ابدأ بتمارين تمدد لطيفة مثل:
- Child’s Pose
- Cat-Cow Stretch
- Glute Bridge الخفيف بدون وزن
- الهدف ليس “التمرين” بل استعادة المرونة والراحة تدريجيًا.
3. راقب طبيعة الألم بدقّة
- إذا بدأ الألم يتناقص تدريجيًا → استمر بخطة التعافي.
- إذا بقي الألم ثابتًا أو ازداد → توقف واستشر مختصًا فورًا.
- لا تتناول المسكّنات دون وعي، فهي قد تخفي الأعراض دون معالجة السبب.
4. العودة إلى التمرين خطوة بخطوة
- عد إلى التمارين فقط بعد زوال الألم تمامًا.
- ابدأ بأوزان 50–60٪ من الوزن السابق، وركّز على التقنية قبل الشدة.
- استخدم تمرين Romanian Deadlift الخفيف لتقوية العضلات الداعمة قبل العودة إلى الرفعة الكاملة.
- لا تحاول “تعويض” الأيام التي غبت فيها — العدوانية في العودة سبب رئيسي لتكرار الإصابات.
5. النوم والتغذية: العامل المنسي
- النوم العميق (7–8 ساعات) هو المرحلة التي تتجدّد فيها الأنسجة فعليًا.
- احرص على تناول البروتين الكافي (2 غرام/كغ وزن تقريبًا) لدعم التعافي.
- لا تقلّل السعرات بشكل مفرط أثناء التعافي، فالجسم يحتاج الطاقة للإصلاح العضلي.
كيف تتجنّب ألم أسفل الظهر في المستقبل؟
الوقاية ليست رفاهية، بل هي الفرق بين رياضي يتقدّم بثبات وآخر يتوقّف عند أول إصابة.
معظم مشاكل أسفل الظهر يمكن تفاديها بخطوات بسيطة، بشرط الالتزام بها بشكل مستمر.
1. أتقن التقنية قبل الوزن
الديدليفت ليس تمرينًا للقوة فقط، بل تمرين دقّة.
حافظ على:
- استقامة العمود الفقري طوال الرفعة.
- شدّ الجذع (Brace) قبل الحركة.
- ملامسة البار للساقين عند الرفع.
- استخدام الورك كالمفصل الرئيسي للحركة وليس أسفل الظهر.
استعن بمدرّب لتصحيح وضعيتك بالفيديو إن لزم الأمر، فالتقنية الخاطئة أخطر من الوزن الزائد.
2. لا تهمل الإحماء
ابدأ دائمًا بـ:
- 5–10 دقائق حركة عامة (مشي سريع أو دراجة).
- تمارين تفعيل مثل Glute Bridge، Bird Dog، وHip Hinge Drill.
- مجموعات تحضيرية بأوزان خفيفة قبل الدخول إلى الوزن الأساسي.
هذا يفعّل العضلات الداعمة ويقلّل خطر الشدّ بنسبة كبيرة.
3. وازن بين القوة والمرونة
العضلات المشدودة (خصوصًا أوتار الفخذ الخلفية والغلوتس) تزيد الضغط على أسفل الظهر.
ادمج في روتينك الأسبوعي:
- جلسة تمدّد (Stretching) لمدة 15 دقيقة.
- تمرينات استقرار الجذع مثل Plank وPallof Press.
- تقوية عضلات البطن العميقة (Transverse Abdominis).
4. وزّع الأحمال الذكية
لا ترفع بنفس الشدّة أسبوعًا بعد أسبوع.
استخدم أسلوب التحميل الموجي (Wave Loading) أو Deload Week كل 4–6 أسابيع لتمنح الجهاز العصبي والأنسجة فرصة للتعافي.
تذكّر: التقدّم الحقيقي لا يعني رفع الأثقل دائمًا، بل التدريب بذكاء.
جزء من شراكاتنا الإعلانية
5. استمع إلى جسدك
إذا شعرت أن أسفل ظهرك “متعب” أو غير مستقر، أعد التفكير في الجلسة.
أحيانًا يكون الحل في يوم راحة إضافي، لا في مجموعة جديدة.
القوة الحقيقية ليست في تجاهل الألم، بل في معرفة متى تتوقّف.
خاتمة
ألم أسفل الظهر بعد الديدليفت لا يعني بالضرورة وجود إصابة — لكنه رسالة من جسدك تحتاج إلى قراءة ذكية.
قد يكون شدًّا طبيعيًا يدلّ على تمرين فعّال، أو إشارة مبكرة لتقنية غير صحيحة أو إجهاد مفرط.
تعامل معه بوعي، تعلّم من إشاراته، واستثمر في الوقاية مثلما تستثمر في التدريب.
أسئلة شائعة
1. هل يجب أن أتوقف عن التمرين إذا شعرت بألم في أسفل الظهر بعد الديدليفت؟
ليس دائمًا.
إذا كان الألم خفيفًا ويشبه الشدّ العضلي العادي، يمكنك الاستمرار مع تخفيف الحمل والتركيز على التقنية.
أما إذا كان الألم حادًا أو يمتد إلى الساق، فتوقّف فورًا واستشر مختصًّا.
2. هل استخدام الحزام يقي من ألم أسفل الظهر؟
الحزام لا يمنع الألم، بل يساعد على تثبيت الجذع أثناء الرفع.
يُنصح باستخدامه فقط في الرفعات الثقيلة (أكثر من 80٪ من أقصى وزن)،
لكن لا تعتمد عليه دائمًا، لأن الاعتماد الزائد يُضعف عضلات الجذع الداعمة.
3. هل يمكن أداء الديدليفت لمن يعاني من انزلاق غضروفي قديم؟
نعم، لكن بشروط صارمة وتحت إشراف مختصّ علاج طبيعي أو مدرّب مؤهل.
يجب تقوية عضلات الجذع أولًا، واستخدام نسخ معدّلة من التمرين مثل Romanian Deadlift أو Trap Bar Deadlift لتقليل الضغط على الفقرات.
4. هل يساعد التمدّد بعد التمرين على تخفيف ألم الظهر؟
بالتأكيد، التمدّد المنتظم يحافظ على مرونة العضلات ويقلّل الشدّ.
ركّز على تمارين Child’s Pose وCat-Cow وGlute Stretch لمدة 10 دقائق بعد التمرين.
5. متى يمكنني العودة إلى الرفعات الثقيلة بعد الألم؟
بعد زوال الألم تمامًا، ونجاحك في أداء الحركات اليومية بدون انزعاج.
ابدأ تدريجيًا بأوزان خفيفة جدًا، وراقب استجابة الجسم في اليوم التالي قبل زيادة الحمل.
مصادر
- Schoenfeld, B. J. (2010). Squatting kinematics and kinetics and their application to exercise performance. Journal of Strength and Conditioning Research.
- McGill, S. (2016). Back Mechanic: The Secrets to a Healthy Spine Your Doctor Isn’t Telling You. Backfitpro Inc.
- Hamlyn, N., Behm, D., & Young, W. (2007). Trunk muscle activation during dynamic weight-training exercises and isometric instability activities. Journal of Strength and Conditioning Research.
- Cholewicki, J., & McGill, S. M. (1996). Mechanical stability of the in vivo lumbar spine: implications for injury and chronic low back pain. Clinical Biomechanics.
- American College of Sports Medicine (ACSM). Guidelines for Exercise Testing and Prescription. (10th Edition).
خالد سلايمة – باورلفتر وصانع محتوى رياضي. شغوف ببناء القوة وتحسين الأداء، وأدرس حاليًا لأصبح مدرّب تغذية معتمد. أسستُ FitspotX لأشارك رحلتي، تجاربي، وأحدث ما توصلت إليه الأبحاث بطريقة بسيطة وواضحة، تساعدك تفهم جسمك وتطوّر أدائك بثقة.




