الكرياتين واحد من أكثر المكملات الغذائية شيوعًا بين الرياضيين ولاعبي كمال الأجسام، بفضل دوره في زيادة القوة وتحسين الأداء العضلي. لكن رغم فوائده، ما زال هناك جدل كبير حول تأثيره على صحة الكلى، خصوصًا مع الاستخدام طويل المدى أو الجرعات العالية. فهل الكرياتين مضر للكلى فعلًا، أم أن هذه مجرد إشاعة انتشرت مع مرور الوقت؟
في هذا المقال سنعرض الحقائق العلمية الكاملة عن الكرياتين وعلاقته بوظائف الكلى، بناءً على أحدث الدراسات والأبحاث، مع توضيح الحالات التي يجب فيها الحذر، وأفضل طرق استخدامه بشكل آمن. إذا كنت تفكر في إضافة الكرياتين إلى برنامجك الغذائي أو تستخدمه بالفعل، فهذا المقال سيساعدك على اتخاذ قرار مبني على العلم لا على الإشاعات.

ما هو الكرياتين ولماذا يستخدمه الرياضيون؟
الكرياتين هو مركب طبيعي يصنعه الجسم في الكبد والكلى والبنكرياس، ويتم تخزينه بشكل رئيسي داخل العضلات الهيكلية. وظيفته الأساسية هي المساهمة في إنتاج الطاقة السريعة، وبالتحديد جزيئات ATP التي تعتبر المصدر الرئيسي للطاقة أثناء التمارين القصيرة والعالية الشدة. الرياضيون ولاعبو كمال الأجسام يلجؤون لمكملات الكرياتين – وخاصة صيغة الكرياتين مونوهيدرات – بهدف زيادة قوة العضلات، تحسين الأداء البدني، تسريع الاستشفاء بين الجلسات التدريبية، وحتى دعم نمو الكتلة العضلية على المدى الطويل. بفضل الكم الكبير من الأبحاث التي أُجريت عليه، يُعتبر الكرياتين واحدًا من أكثر المكملات أمانًا وفعالية عند الاستخدام الصحيح، ومع ذلك تبقى المخاوف حول تأثيره على الكلى قائمة لدى البعض.
مصدر الإشاعة حول ضرر الكرياتين على الكلى
الجدل حول الكرياتين وصحة الكلى بدأ منذ سنوات، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو ملاحظة ارتفاع مستويات الكرياتينين في الدم لدى بعض الأشخاص الذين يستخدمون المكمل. الكرياتينين هو ناتج ثانوي لتفكك الكرياتين داخل الجسم، ويُستخدم في التحاليل الطبية كمؤشر على وظائف الكلى. المشكلة أن بعض الأطباء أو المختبرات قد يفسرون هذا الارتفاع بشكل خاطئ، ويعتبرونه علامة على وجود تلف كلوي، بينما في الحقيقة يكون السبب طبيعيًا ومؤقتًا نتيجة زيادة استهلاك الكرياتين، ولا يدل بالضرورة على أي مشكلة صحية. هذا الخلط في الفهم ساهم في انتشار فكرة أن الكرياتين “يدمر” الكلى، رغم أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت عكس ذلك في معظم الحالات.
ماذا تقول الدراسات العلمية؟
على مدار أكثر من عقدين من الأبحاث، أُجريت عشرات الدراسات على فئات مختلفة من الرياضيين والأشخاص العاديين، وخلصت أغلب النتائج إلى أن استخدام الكرياتين بجرعات معتدلة (عادة بين 3 و5 غرام يوميًا) لا يؤثر سلبًا على وظائف الكلى لدى الأشخاص الأصحاء. بعض الدراسات امتدت لفترات طويلة وصلت إلى 5 سنوات، ولم تظهر أي علامات على تدهور وظائف الكلى. ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من أمراض الكلى المزمنة، أو لديهم مشاكل في ضغط الدم، أو مرض السكري، قد يكونون أكثر عرضة لأي تأثير سلبي، ولهذا ينصح دائمًا باستشارة الطبيب قبل البدء. المهم أن نفهم أن الخطر ليس من الكرياتين نفسه عند الأصحاء، وإنما من الاستخدام الخاطئ أو تجاهل المشاكل الصحية المسبقة.
الحالات التي يجب الحذر فيها
على الرغم من أن الكرياتين آمن في معظم الحالات، إلا أن هناك فئات محددة تحتاج إلى الحذر الشديد. أولًا، الأشخاص المصابون بأمراض الكلى المزمنة أو من لديهم تاريخ عائلي مع الفشل الكلوي يجب أن يتجنبوا استخدامه إلا بإشراف طبي. ثانيًا، الأفراد الذين يستخدمون أدوية مدرة للبول أو مضادات الالتهاب غير الستيرويدية لفترات طويلة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالجفاف أو زيادة الضغط على الكلى. ثالثًا، الرياضيون الذين يهملون شرب الماء الكافي أثناء فترات التدريب المكثف يعرضون أنفسهم لمخاطر محتملة، حيث أن الجفاف قد يزيد من العبء على الكلى. الالتزام بالترطيب الجيد والمتابعة الطبية يقللان بشكل كبير من أي مخاطر محتملة.
نصائح لاستخدام الكرياتين بأمان
للاستفادة القصوى من الكرياتين وتجنب أي مشاكل، من المهم الالتزام ببعض القواعد الأساسية. التزم بالجرعة الموصى بها (3–5 غرام يوميًا) ولا تحاول مضاعفتها اعتقادًا أن النتائج ستكون أسرع. احرص على شرب ما لا يقل عن 2–3 لترات من الماء يوميًا لدعم عمل الكلى والتخلص من الفضلات الأيضية. اختر منتجات الكرياتين من علامات تجارية موثوقة ومعروفة بجودة التصنيع وخلو المنتج من الملوثات أو المواد المضافة الضارة. إذا كنت تخطط لاستخدام الكرياتين لفترة طويلة، فإجراء فحص دوري لوظائف الكلى سيكون خطوة ذكية للاطمئنان، خاصة إذا كان لديك أي عوامل خطورة صحية.
خاتمة
في النهاية، يمكن القول إن الكرياتين ليس العدو الذي يعتقده البعض بالنسبة للكلى، بل هو مكمل غذائي مدروس علميًا، يتمتع بسجل أمان قوي عند استخدامه بشكل صحيح من قبل الأشخاص الأصحاء. معظم المخاوف المنتشرة مبنية على سوء فهم أو تفسيرات خاطئة لنتائج التحاليل، وليس على أدلة علمية قوية. ومع ذلك، يبقى من الحكمة أن يتعامل كل شخص مع المكملات الغذائية بوعي ومسؤولية، وأن يراعي حالته الصحية الفردية قبل البدء في استخدامها. إذا كنت تتمتع بصحة جيدة وتلتزم بالجرعات الموصى بها وتشرب كمية كافية من الماء، فإن الكرياتين يمكن أن يكون إضافة فعالة وآمنة لبرنامجك التدريبي. أما إذا كانت لديك أي مشاكل صحية أو شكوك، فإن استشارة الطبيب قبل الاستخدام تظل الخطوة الأذكى لضمان سلامتك.
أسئلة شائعة
1. هل الكرياتين يسبب فشل كلوي؟
لا، الدراسات العلمية لم تثبت أي علاقة بين الكرياتين والفشل الكلوي لدى الأشخاص الأصحاء. معظم المخاوف تأتي من تفسير خاطئ لارتفاع الكرياتينين في الدم، وهو أمر طبيعي مع استخدام الكرياتين.
2. هل يمكن استخدام الكرياتين إذا كانت وظائف الكلى ضعيفة؟
لا يُنصح باستخدام الكرياتين في حال وجود أمراض كلى مزمنة أو ضعف في وظائف الكلى إلا بإشراف طبي مباشر، لأن الجسم قد يواجه صعوبة في التخلص من نواتج الكرياتين الأيضية.
3. ما هي الجرعة الآمنة للكرياتين؟
الجرعة الموصى بها لمعظم الرياضيين هي 3–5 غرام يوميًا. لا حاجة لزيادة الجرعة لأن الجسم لا يخزن أكثر من احتياجاته.
4. هل الكرياتين يرفع الكرياتينين في تحليل الدم؟
نعم، لكنه ارتفاع طبيعي ومتوقع، ولا يعني بالضرورة وجود ضرر بالكلى. الأطباء المطلعون على المكملات يعرفون الفرق بين هذا الارتفاع الطبيعي والارتفاع الناتج عن مشاكل كلوية.
5. هل يجب شرب ماء أكثر عند تناول الكرياتين؟
نعم، من المهم شرب 2–3 لترات من الماء يوميًا لتجنب الجفاف ودعم وظائف الكلى، خاصة أثناء التمارين المكثفة.
6. هل يمكن الجمع بين الكرياتين ومكملات أخرى؟
يمكن دمج الكرياتين مع بروتين الواي، الأحماض الأمينية، أو الكافيين، طالما أن الجرعات مدروسة ولا توجد مشاكل صحية تمنع ذلك.
مصادر
Kreider, R. B., et al. (2017). International Society of Sports Nutrition position stand: safety and efficacy of creatine supplementation in exercise, sport, and medicine. Journal of the International Society of Sports Nutrition, 14(1), 18.
Persky, A. M., & Rawson, E. S. (2007). Safety of creatine supplementation. Sub-cellular Biochemistry, 46, 275–289.
Poortmans, J. R., & Francaux, M. (2000). Long-term oral creatine supplementation does not impair renal function in healthy athletes. Medicine & Science in Sports & Exercise, 31(8), 1108–1110.
رياضي، مدوّن وصانع محتوى رياضي، أدرس حاليًا لأصبح أخصائي تغذية معتمد، وممارس للتمارين الرياضية منذ أكثر من 6 سنوات. خضت تجارب متعددة في عالم الرياضة، من الكيك بوكسينغ إلى الجري، والدراجة الهوائية، والباورلفتينغ، وصولًا إلى التمرين بالمقاومة الذي التزمت به دون انقطاع.
أسستُ منصة FitspotX بعد أن لاحظت كمية المعلومات المغلوطة المنتشرة في مجال الرياضة والتغذية، خاصةً ضمن المحتوى الكتابي. من هنا انطلقت رؤيتي لبناء منصّة متكاملة، تجمع بين الأدوات والمحتوى العلمي البسيط، لتساعدك على فهم التغذية بشكل أفضل، وتحقيق أهدافك الجسدية بثقة ومعرفة.