تخطى إلى المحتوى

لماذا تنمو بعض العضلات بسرعة بينما تبقى عضلات أخرى عنيدة؟

إذا كنت ملتزمًا بالتمرين منذ فترة، فربما لاحظت مفارقة لافتة: عضلة تنمو بسرعة وتستجيب لأي جهد، وأخرى تبقى بطيئة، متصلّبة، وكأنها تقاوم التطوّر مهما حاولت. قد ترى ذراعك يزداد قوة وحجمًا، بينما يظل صدرك متواضعًا. أو يتقدم ظهرك بوضوح، في حين يبقى كتفك الأمامي ثابتًا لا يتغيّر.

هذه الاختلافات ليست صدفة، وليست دائمًا نتيجة خطأ في البرنامج التدريبي. الحقيقة أن الجسم لا يتعامل مع جميع العضلات بالطريقة نفسها؛ فلكل عضلة طبيعتها الخاصة، ودرجة حساسيتها للمحفّز، وسرعتها في النمو، وحدودها في اكتساب القوة.

وهنا يظهر سؤال جوهري: ما الذي يجعل عضلة تستجيب بسرعة… وأخرى تتأخر؟

صورة واقعية لرياضي يرفع الأوزان في الجيم، تُظهر بوضوح اختلاف حجم وتطور المجموعات العضلية المختلفة في الجزء العلوي من الجسم.

البصمة الجينية: الأساس الذي لا يمكن تجاهله

الجينات ليست كل شيء، لكنها تحدّد نقطة الانطلاق.
فالعضلات تختلف في تركيبها منذ الولادة؛ بعضها يحتوي نسبة أعلى من الألياف سريعة الانقباض (Type II)، وهي الألياف المسؤولة عن القوة والانفجار، ولذلك تستجيب بسرعة أكبر للتدريب.
بينما عضلات أخرى يغلب عليها الألياف البطيئة (Type I)، فتكون أكثر قدرة على التحمل وأبطأ نموًا.

كما تختلف العضلات في عدد النوى العضلية (Myonuclei) المتوافرة فيها. كلما زاد عدد هذه النوى، زادت قدرة العضلة على البناء عند التعرض للمحفّز.

بعض العضلات وُلدت لتكبر بسهولة… وأخرى تحتاج وقتًا أطول، وهذا طبيعي تمامًا.

البنية التشريحية للعضلة (Muscle Architecture)

شكل العضلة يحدّد طريقة استجابتها.
فكل عضلة تختلف في:

  • زاوية اتجاه الألياف
  • طول الوتر
  • نقطة ارتباطها بالعظم
  • مدى الحركة الذي تمر به أثناء التمرين

هذه التفاصيل الصغيرة تُحدد مدى حصول العضلة على الشدّ الميكانيكي، وهو أهم محرّك للنمو.

مثال توضيحي:

  • عضلات الهامسترنج تستجيب بسرعة لأنها تمر بمدى طويل وتتعرض لشدّ قوي.
  • بينما الجزء العلوي من الصدر قد يكون أبطأ إذا كان القفص الصدري مسطحًا أو الزاوية العضلية غير مثالية.

الجهاز العصبي: اللاعب الخفي وراء قوة العضلات

قد تملك عضلة قوية لكن الجهاز العصبي لا “يشغّلها” بكفاءة.
ففي بداية أي برنامج تدريبي، يكون التطور الأكبر عصبيًا وليس عضليًا، لأن الدماغ يتعلم كيف يفعّل أليافًا أكثر داخل العضلة.

عندما يكون الاتصال العصبي ضعيفًا:

  • تشعر أن الوزن “لا يدخل” على العضلة
  • تتطور عضلات مساعدة بدل العضلة الأساسية
  • يظل الأداء ثابتًا رغم التزامك

عندما يصبح الاتصال قويًا:

  • تشعر بانقباض واضح
  • يتطوّر الأداء بسرعة
  • تظهر نتائج ملموسة في النمو

حساسية العضلة الهرمونية (Hormonal Responsiveness)

طبيعة وظيفة العضلة

العضلات التي صُمِّمت للاستقرار تكون أبطأ نموًا بطبيعتها، لأنها مبنية لأداء متواصل وليس لقوة انفجارية.

أمثلة:

  • عضلات السمانة تعمل طوال اليوم → تحتاج محفّزًا عاليًا جدًا لتتطور
  • عضلة الترايسبس وظيفتها الدفع → تستجيب بسرعة لأي تمرين قوي

الحمل اليومي المتكرر (Daily Exposure)

هناك عضلات لا تشعر بها لكنها تعمل باستمرار، مثل:

  • عضلات أسفل الظهر
  • السمانة
  • الفخذ الخلفي أثناء المشي

هذه العضلات معتادة على الجهد، وبالتالي تحتاج وزنًا أعلى، وفوليوم أكبر، وزوايا مختلفة لتبدأ بالاستجابة.

أطوال الأطراف وتأثيرها في الأداء

الميكانيكا تلعب دورًا كبيرًا.
فالأشخاص ذوو الأذرع أو الأرجل الطويلة يواجهون تحديات مختلفة عن ذوي الأطراف الأقصر.

أمثلة واضحة:

  • ذوو الأذرع الطويلة يجدون تمرين البنش أبطأ نموًا
  • ذوو الأرجل الطويلة يواجهون صعوبة في السكوات، ويحتاجون وقتًا أطول لتطوير الفخذين

أسلوب التمرين… قد يكون هو المشكلة وليس العضلة

أحيانًا تكون المشكلة في “كيف” نمرّن العضلة، وليس في العضلة نفسها.

مشاكل شائعة:

  • مدى حركة ناقص
  • زاوية خاطئة تُحمّل عضلات أخرى
  • تكرارات قليلة دون الوصول للشد المطلوب
  • تمارين لا تناسب بنية جسمك
  • ضعف في الأتصال العصبي العضلي

مثال:

شخص يمرّن ظهره بسحب الذراع فقط → يتطور البايسبس بدل الظهر.

خاتمة

في النهاية، اختلاف استجابة العضلات ليس لغزًا ولا علامة على فشل تدريبي؛ بل هو انعكاس طبيعي لتكوين جسمك، وبنيتك الجينية، وطريقة تفاعل عضلاتك مع الأحمال.
فبعض العضلات مهيأة للنمو السريع والبروز الواضح، فيما تحتاج عضلات أخرى صبرًا أكبر وفوليومًا أدق وزوايا تدريب مختلفة.

المفتاح الحقيقي هو فهم جسدك بدل مقاومته.
فعندما تدرك لماذا تتقدّم عضلة وتتأخر أخرى، تصبح قادرًا على تصميم خطة تدريب تناسبك أنت.

وبين الصبر، والاستمرارية، والذكاء التدريبي، ستجد أن العضلات “العنيدة” تستجيب أخيرًا… وربما تتحول إلى نقطتك القوية يومًا ما.

أسئلة شائعة

هل يمكن أن تكون عضلة متأخرة بسبب إصابة قديمة؟

نعم. الإصابات حتى لو كانت بسيطة قد تقلل من تفعيل الأعصاب للعضلة، مما يجعل استجابتها أبطأ. العلاج يكون بتقوية العضلات المحيطة واستعادة المدى الكامل للحركة.

كم يستغرق تحسين الأتصال الصبي العضلي لعضلة ضعيفة؟

عادةً من 4 إلى 8 أسابيع

هل يمكن أن تطور عضلة عنيدة بسرعة لو دربتها يوميًا؟

تمرينها يوميًا غالبًا يزيد الإرهاق العصبي ولا يحسّن النمو. الأفضل رفع التكرار إلى مرتين أسبوعيًا مع فوليوم مناسب وليس مفرطًا.

هل اختلاف الاستجابة يظهر عند المبتدئين فقط؟

لا، يستمر حتى عند المتقدمين، لكنه يصبح أوضح كلما زادت الخبرة وزادت الفروقات بين مجموعات العضلات.

هل يمكن أن تتغير استجابة العضلة مع العمر؟

نعم. مع التقدم بالعمر، تقل حساسية بعض العضلات للشد الميكانيكي وتصبح بحاجة لحجم أعلى .

جزء من شراكاتنا الإعلانية

مصادر

Schoenfeld, B. J. Mechanisms of Muscle Hypertrophy and Their Application to Resistance Training.

Wackerhage, H. Muscle Hypertrophy: Science and Development of Muscle Growth.

MacDougall, J. D. Muscle Fiber Number and Size in Humans.

Research on Muscle Architecture and Pennation Angle – Journal of Applied Physiology.

Androgen Receptor Density Studies – Endocrinology & Metabolism Research.

Neural Adaptation Literature – European Journal of Applied Physiology.

Stretch-Mediated Hypertrophy Studies – 2022 & 2023 Reviews.

f
مقالات الكاتب

خالد سلايمة – باورلفتر وصانع محتوى رياضي. شغوف ببناء القوة وتحسين الأداء، وأدرس حاليًا لأصبح مدرّب تغذية معتمد. أسستُ FitspotX لأشارك رحلتي، تجاربي، وأحدث ما توصلت إليه الأبحاث بطريقة بسيطة وواضحة، تساعدك تفهم جسمك وتطوّر أدائك بثقة.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x