تخطى إلى المحتوى

هل الجلوس الطويل يدمّر جسمك؟ كيف تحمي نفسك لو كنت تجلس كثيرًا؟

هل تقضي ساعات طويلة جالسًا على المكتب، أو خلف مقود السيارة، أو أمام الشاشة؟ قد تظن أن الأمر طبيعي، لكن العلم له رأي آخر.

الجلوس لفترات طويلة أصبح يُعرف بـ”التدخين الجديد” بسبب تأثيراته الخطيرة على الجسم. من بطء الأيض إلى آلام الظهر، ومن ضعف الدورة الدموية إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة… الجلوس المفرط يمكن أن يدمّر صحتك بصمت.

في هذا المقال، سنكشف المخاطر الخفية للجلوس الطويل، ونعرض لك خطوات بسيطة وعملية لتقليل الضرر حتى لو كان عملك يتطلّب الجلوس لساعات طويلة. وقتك مهم، لكن صحتك أهم.

لماذا يُعتبر الجلوس الطويل خطرًا على الصحة؟

عندما تجلس لساعات متواصلة، يتباطأ كل شيء في جسمك:
الدورة الدموية تصبح أبطأ، العضلات تدخل في حالة خمول، ومعدل حرق السعرات يقل بشكل ملحوظ. حتى الإنزيمات المسؤولة عن تكسير الدهون تبدأ بالانخفاض، مما يؤدي إلى تراكم الدهون في الجسم وخاصة في منطقة البطن.

الدراسات الحديثة ربطت الجلوس الطويل بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، السكري من النوع الثاني، وأحيانًا حتى السرطان. والأخطر؟ أن هذه التأثيرات لا تُلغى بالكامل حتى لو كنت تتمرن يوميًا! الجلوس لفترات طويلة بحد ذاته عامل خطر مستقل، تمامًا كما هو التدخين أو التغذية السيئة.

كيف يؤثر الجلوس الطويل على ظهرك ومفاصلك؟

الجلوس المستمر يضع ضغطًا هائلًا على العمود الفقري، وخاصة على الفقرات القَطَنية (أسفل الظهر). مع مرور الوقت، تبدأ العضلات الأساسية (core muscles) بالضعف، لأن الجسم لا يضطر لاستخدامها أثناء الجلوس، مما يسبب خللًا في التوازن العضلي.

أضف إلى ذلك وضعية الجلوس الخاطئة – مثل انحناء الظهر للأمام أو إمالة الرأس – وهذه العادات الصغيرة تتحول إلى آلام مزمنة في الظهر، الرقبة، والكتفين. حتى الركبتين والوركين يعانون من الجلوس الطويل، لأن قلة الحركة تجعل المفاصل أكثر تيبّسًا وأقل مرونة.

والأسوأ؟ بعض الناس لا يشعرون بأي ألم واضح، لكن التدهور يحصل بصمت… إلى أن يصبح الألم مزمنًا ويؤثر على جودة الحياة.

هل التمرين يكفي لمواجهة أضرار الجلوس؟ الجواب الصادم

كثير من الناس يعتقدون أن ساعة من التمرين يوميًا تكفي لحماية الجسم من أضرار الجلوس الطويل… لكن الحقيقة العلمية أكثر تعقيدًا.

الدراسات الحديثة أظهرت أن الجلوس لساعات طويلة يوميًا يرتبط بمخاطر صحية مرتفعة، حتى عند الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام. بمعنى آخر:

“التمرين لا يُلغي تمامًا آثار الخمول الطويل خلال اليوم.”

السبب في ذلك أنّ الجسم يحتاج إلى حركة مستمرة وتوزيعٍ للنشاط على مدار اليوم، لا مجرّد ساعة تمرين مركّز. ولهذا، بات العلماء يفرّقون بين نوعين من النشاط:

  • النشاط الرياضي (Exercise): كتمارين المقاومة، أو الركض، أو ركوب الدراجة.
  • النشاط غير المرتبط بالتمرين (NEAT): ويشمل الحركات اليومية العفوية مثل المشي داخل المنزل، صعود الدرج، الوقوف أثناء العمل، أو أي حركة لا تُعدّ تمرينًا رسميًا.

وقد ثبت أنّ نشاط NEAT يلعب دورًا بالغ الأهمية في:

  • تقليل مخاطر الأمراض المزمنة المرتبطة بالخمول.
  • تعزيز حرق الدهون.
  • تحسين استجابة الجسم للإنسولين.

كيف تحمي نفسك من أضرار الجلوس حتى لو كان عملك يتطلب ذلك؟

إذا كنت مضطرًا للجلوس طويلًا بسبب طبيعة عملك أو نمط حياتك، فلا تقلق — هناك خطوات بسيطة لكنها فعّالة تقلّل بشكل كبير من التأثيرات السلبية:

قسّم يومك إلى فترات حركة: حاول أن تنهض وتتحرك لبضع دقائق كل 30 إلى 60 دقيقة. حتى المشي القصير أو تمارين التمدد السريعة تفي بالغرض.

استغل وقتك بذكاء: بدلاً من إرسال رسالة إلكترونية لزميلك في العمل، قم واذهب إليه. أو استغل وقت المكالمات الهاتفية في المشي داخل الغرفة.

استخدم مكتبًا قابلًا للوقوف إن أمكن: العمل في وضعية الوقوف لبضع ساعات في اليوم يحسّن الدورة الدموية ويزيد من حرق السعرات.

مارس تمارين قصيرة خلال اليوم: لا تنتظر للتمرين المسائي فقط. مارس تمارين بسيطة (مثل القرفصاء، أو الضغط، أو حتى صعود الدرج) في فترات متفرقة على مدار اليوم.

لا تنسَ تمارين الإطالة: تساعد على فكّ العضلات المشدودة وتحسين الوضعية، وخصوصًا بعد الجلوس الطويل.

هذه التعديلات البسيطة قد تبدو غير مهمّة، لكن أثرها تراكمي، ومع الوقت تساهم في تحسين صحتك، وتحفيز حرق الدهون، وتقليل خطر الأمراض المرتبطة بقلة الحركة.

خاتمة

قد يبدو الجلوس أمرًا بسيطًا وعاديًا في حياتنا اليومية، لكنه في الحقيقة من أكثر السلوكيات التي تؤثر على صحتنا بشكل خفي. حتى مع التزامك بالتمارين اليومية، فإن البقاء لفترات طويلة دون حركة يقلّل من حرق السعرات، ويزيد من مخاطر تراكم الدهون ومشاكل القلب والأيض.

لكن الخبر الجيد؟ الحل ليس معقدًا! خطوات صغيرة مثل الوقوف، المشي، أو تمارين خفيفة خلال اليوم كافية لتُحدث فرقًا حقيقيًا في جسمك وصحتك.

أسئلة شائعة

1. هل التمرين اليومي يُلغي آثار الجلوس الطويل؟

لا تمامًا. التمرين مفيد، لكنه لا يعوّض عن الخمول خلال باقي اليوم. الحركة المستمرة وتجنّب الجلوس لساعات متواصلة ضرورية أيضًا لصحة الجسم.

2. ما هو الحدّ الأقصى للجلوس المسموح به يوميًا؟

يفضّل ألّا تتجاوز جلسة واحدة أكثر من 60 دقيقة دون حركة. مجموع الوقت المثالي للجلوس في اليوم لا ينبغي أن يتجاوز 6-8 ساعات، مع فواصل متكرّرة للحركة.

جزء من شراكاتنا الإعلانية

3. ما هي أخطر المشاكل الصحية المرتبطة بالجلوس الطويل؟

تشمل: ضعف الدورة الدموية، آلام الظهر والرقبة، زيادة مقاومة الإنسولين، بطء الأيض، تراكم الدهون الحشوية، وزيادة خطر أمراض القلب والسكري.

4. هل يمكن تعويض الجلوس الطويل بالمشي في المساء فقط؟

المشي في المساء مفيد، لكنه غير كافٍ لوحده. من المهم كسر فترات الجلوس خلال اليوم بالحركة، حتى لو كانت بسيطة.

5. ما الفرق بين الجلوس الخامل والجلوس النشط؟

الجلوس الخامل يعني الثبات التام (مثل مشاهدة التلفاز)، بينما الجلوس النشط يشمل حركة خفيفة (مثل استخدام الكرة الرياضية ككرسي، أو القيام بحركات تمدد أثناء الجلوس).

مصادر

World Health Organization (WHO) – Physical Activity Guidelines
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/physical-activity

Mayo Clinic – What are the risks of sitting too much?
https://www.mayoclinic.org/healthy-lifestyle/adult-health/expert-answers/sitting/faq-20058005

Harvard Health Publishing – The dangers of sitting
https://www.health.harvard.edu/pain/the-dangers-of-sitting

NIH (National Institutes of Health) – Sedentary Behavior and Health Risks
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3404815/

Journal of Sport and Health Science – Non-exercise activity thermogenesis (NEAT) and obesity
https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2095254620300385

f
مقالات الكاتب

رياضي، مدوّن وصانع محتوى رياضي، أدرس حاليًا لأصبح أخصائي تغذية معتمد، وممارس للتمارين الرياضية منذ أكثر من 6 سنوات. خضت تجارب متعددة في عالم الرياضة، من الكيك بوكسينغ إلى الجري، والدراجة الهوائية، والباورلفتينغ، وصولًا إلى التمرين بالمقاومة الذي التزمت به دون انقطاع.

أسستُ منصة FitspotX بعد أن لاحظت كمية المعلومات المغلوطة المنتشرة في مجال الرياضة والتغذية، خاصةً ضمن المحتوى الكتابي. من هنا انطلقت رؤيتي لبناء منصّة متكاملة، تجمع بين الأدوات والمحتوى العلمي البسيط، لتساعدك على فهم التغذية بشكل أفضل، وتحقيق أهدافك الجسدية بثقة ومعرفة.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x