في عالم الحميات والتغذية، قلّما تجد نصيحة يُجمع عليها الجميع كما هو الحال مع شرب الماء. نسمعها دائمًا: “اشرب أكثر لتحرق دهون أكثر!”، وكأن زجاجة الماء باتت أداة تنحيف سحرية لا غنى عنها.
لكن، ما مدى صحّة هذه الفرضية؟ هل يُمكن بالفعل لشرب كميات وفيرة من الماء أن يُحرّك عملية حرق الدهون؟ أم أن هذا المفهوم مبني على سوء فهم علمي لتأثير الماء في الجسم؟
في هذا المقال، سنفكّك العلاقة بين الماء والدهون، ونستعرض ما تقوله الأبحاث العلمية حول تأثير الماء على الأيض، الشهية، والأداء الرياضي. الهدف هو تقديم رؤية واقعية، تُساعدك على اتخاذ قرارات مبنية على وعي، لا على وعود مبالغ بها.

هل شرب الماء يرفع معدل الحرق؟ (ماذا يقول العلم)
يتحدّث كثيرون عن قدرة الماء على “رفع معدل الحرق” وكأنّه عنصر سحري في حرق الدهون، لكن لفهم هذه الفكرة بدقة، علينا أولًا أن نعرف كيف يعمل الأيض (أو ما يُعرف بمعدّل الحرق).
الأيض هو المجموع الكامل للعمليات الكيميائية التي تحدث داخل الجسم لإنتاج الطاقة. وتتأثر هذه العمليات بعوامل عديدة، منها النشاط البدني، كمية العضلات، نوع الغذاء، والعوامل الوراثية. أما الماء، فرغم أنه لا يحتوي على سعرات حرارية، إلا أنه يلعب دورًا غير مباشر لكنه مؤثر في دعم هذه العمليات.
تشير بعض الدراسات إلى أن شرب كمية كافية من الماء قد يؤدي إلى زيادة مؤقتة في معدل الأيض، بنسبة تتراوح بين 10% إلى 30% خلال الساعة الأولى من الشرب، خاصة إذا كان الماء باردًا، إذ يستهلك الجسم طاقة لتسخينه إلى درجة حرارة الجسم.
لكن هذا التأثير محدود ومؤقت، ولا يُقارن أبدًا بالتأثير الناتج عن التمارين الرياضية أو زيادة الكتلة العضلية. لذا، من غير الدقيق اعتبار الماء “محرّكًا لحرق الدهون” بشكل مباشر، لكنه يوفّر بيئة مثالية للجسم ليعمل بكفاءة، وهو ما يُسهم في دعم عملية الحرق بشكل عام.
بمعنى آخر، شرب الماء لا يحرق الدهون بشكل سحري، لكنه يُحسّن من كفاءة الجسم في استخدام الطاقة، ويمنع الخمول، ويُساعد على أداء رياضي أفضل، وكلّها عوامل تُسهم في خسارة الوزن على المدى الطويل.
هل يساعد شرب الماء على تقليل الشهية؟
من أكثر الفوائد المُثبتة لشرب الماء هي مساهمته في التحكّم بالشهية. فعلى الرغم من أن الماء لا يحتوي على أي مغذّيات أو سعرات حرارية، إلا أنه يمكن أن يمنح شعورًا بالشبع المؤقت، خاصة إذا تم شربه قبل الوجبات.
تشير دراسات عديدة إلى أن شرب كوبين من الماء قبل الأكل قد يُقلّل كمية الطعام المُتناولة بنسبة تصل إلى 13%–20%، وخصوصًا لدى البالغين في منتصف العمر أو كبار السن.
الأمر لا يرتبط فقط بملء المعدة، بل أيضًا بإشارات الدماغ. في كثير من الأحيان، يُخطئ الجسم بين العطش والجوع، ما يجعلنا نلجأ للطعام بدلًا من الماء. الحفاظ على ترطيب الجسم يقلّل من هذه الالتباسات، ويُعزّز من قدرتك على التمييز بين الجوع الحقيقي والجوع “العاطفي” أو الناتج عن الجفاف.
بالتالي، لا يمكن القول إن الماء “يذيب الدهون”، لكن يمكن التأكيد أنه يساعدك على أكل أقل، ويُقلّل من النهم العشوائي، وهي عوامل أساسية لخسارة الوزن بطريقة صحية وطويلة الأمد.
ذات صلة: هل الماء الدافئ على معدة فارغة يحرق الدهون؟ الحقيقة الكاملة وراء هذه العادة الشائعة
ما علاقة شرب الماء بالأداء الرياضي وحرق الدهون أثناء التمارين؟
التمارين الرياضية هي العامل الأهم في تنشيط عملية حرق الدهون، لكن فعالية هذه التمارين تعتمد بشكل كبير على حالة الجسم قبل وأثناء الأداء، وهنا يأتي دور الماء.
عندما يكون الجسم مُصابًا بالجفاف—even بشكل خفيف—تبدأ القدرات البدنية والعقلية بالتراجع تدريجيًا. تقل كمية الدم المتدفقة إلى العضلات، يضعف التركيز، يرتفع معدل الإجهاد، وقد ينخفض الأداء بنسبة ملحوظة دون أن يدرك المتدرّب السبب المباشر لذلك.
من الناحية الفسيولوجية، الترطيب الجيد يُسهّل نقل المغذّيات إلى الخلايا، ويُعزز كفاءة الجهاز القلبي والعضلي، مما يعني طاقة أكثر، قوة أعلى، وقدرة أكبر على الحفاظ على شدة التمرين لفترة أطول.
ومعروف أن التمارين الأعلى كثافة أو الأطول مدة تؤدي إلى استهلاك سعرات أكثر، وبالتالي إلى تحفيز أفضل لعملية حرق الدهون.
علاوة على ذلك، شرب الماء خلال التمرين يساعد في تنظيم درجة حرارة الجسم، ويمنع ارتفاعها بشكل مفرط، مما يتيح للرياضي الاستمرار في التمرين دون انقطاع أو تراجع في الأداء.
بعبارة أخرى، الماء لا “يحرق الدهون” بشكل مباشر، لكنه يدعم كل العمليات الحيوية التي تجعل حرق الدهون أكثر كفاءة، ويمنحك الأداء المطلوب لتحقيق أفضل النتائج من كل جلسة تمرين.
ذات صلة: كم يحتاج الجسم من الماء يوميًا؟ ومتى يكون الشرب أكثر من مجرد عادة؟
كمية الماء المثالية لخسارة الدهون: هل هناك رقم سحري؟
لا توجد كمية واحدة “سحرية” من الماء تناسب الجميع، فاحتياجات الجسم تختلف باختلاف الوزن، النشاط البدني، نوع الطعام، ودرجة حرارة الجو. ومع ذلك، توجد توصيات عامة يمكن اعتمادها كنقطة انطلاق.
في المتوسط، يُوصى بأن يشرب الرجل البالغ حوالي 3.7 لترات من السوائل يوميًا، والمرأة حوالي 2.7 لترات، وفقًا لمعهد الطب الأمريكي. هذه الكمية تشمل كل ما يتناوله الشخص من سوائل، بما في ذلك الماء، الشاي، الحساء، وحتى الفواكه الغنية بالماء.
لكن في حالة التمارين، خاصة في الأجواء الحارة أو خلال فترات التنشيف، يُنصح برفع كمية الماء، لتعويض الفقد الناتج عن التعرّق وتحفيز الأداء.
بعض الرياضيين يعتمدون قاعدة بسيطة وعملية: شرب لتر واحد من الماء لكل 25 كيلوغرامًا من وزن الجسم، كحد أدنى يومي، مع زيادته عند بذل مجهود بدني.
مثلًا، شخص يزن 75 كغ قد يحتاج إلى حوالي 3 لترات ماء يوميًا، أو أكثر في حال ممارسة تمارين شديدة.
لكن الأهم من الرقم هو الاستمرارية.
أن تشرب بانتظام على مدار اليوم وليس دفعة واحدة وأن تلاحظ إشارات جسمك: لون البول، الجفاف، الصداع، أو تراجع الطاقة، فكلّها مؤشرات قد تدل على حاجتك للترطيب.
إذا كان هدفك هو خسارة الدهون وتحسين الأداء، فإن شرب الماء بكمية كافية وبشكل منتظم يُعد من أبسط العادات وأكثرها فاعلية، دون الحاجة للمبالغة أو الاتكال عليه وحده.
خاتمة
رغم أن شرب الماء لا “يحرق الدهون” بشكل مباشر كما تروّج له بعض العناوين، إلا أن دوره في رحلة خسارة الوزن لا يمكن إنكاره. فالماء يدعم كل العمليات الحيوية داخل الجسم: من تنظيم الشهية وتحسين الأداء الرياضي، إلى دعم الأيض وتعزيز الشعور بالطاقة والنشاط.
السر لا يكمن في الإكثار العشوائي من الماء، بل في استخدامه بذكاء ضمن نمط حياة متوازن. جسمك لا يحتاج إلى كميات هائلة من السوائل فجأة، بل يحتاج إلى ترطيب منتظم ومستمر، يتماشى مع مجهودك البدني واحتياجاتك الفردية.
فإذا كنت جادًّا في خسارة الدهون وبناء جسم صحي، فلا تنس أن الماء هو أحد أبسط الأدوات وأكثرها فعالية… فقط حين يُستخدم كجزء من خطة شاملة، وليس كاختصار سحري.
جزء من شراكاتنا الإعلانية
أسئلة شائعة
1. هل شرب الماء البارد يسرّع من حرق الدهون؟
شرب الماء البارد قد يرفع معدل الأيض مؤقتًا لأن الجسم يحتاج إلى طاقة لتسخينه، لكن هذا التأثير بسيط وغير كافٍ لإحداث فرق كبير في حرق الدهون بمفرده.
2. هل شرب الماء على معدة فارغة يساعد على التنحيف؟
شرب الماء صباحًا قد يساعد على تنشيط الجهاز الهضمي ويقلل من الشهية، لكنه لا يؤدي إلى خسارة دهون مباشرة دون وجود نظام غذائي متوازن.
3. هل شرب الماء بكثرة يُذيب الدهون؟
لا، الماء لا “يُذيب” الدهون كما يُشاع. لكنه يدعم عمليات الأيض، ويساعد على تنظيم الشهية وتحسين الأداء، مما يُساهم في تسهيل خسارة الوزن بشكل غير مباشر.
4. كم مرة يجب أن أشرب الماء خلال اليوم؟
يُنصح بشرب الماء بانتظام خلال اليوم، وليس دفعة واحدة. جرّب تقسيم الكمية إلى فترات متساوية، وتأكد من شرب الماء قبل التمارين وأثناءها وبعدها.
5. هل يمكن أن يضر شرب الماء بكميات كبيرة؟
نعم، شرب كميات مفرطة جدًا من الماء خلال فترة قصيرة قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ “تسمم الماء” أو انخفاض الصوديوم، وهي حالة نادرة لكنها خطيرة. الاعتدال والوعي هما الأساس.
مصادر
- Harvard T.H. Chan School of Public Health – The Nutrition Source: Water
https://www.hsph.harvard.edu/nutritionsource/water/ - National Academies of Sciences, Engineering, and Medicine – Dietary Reference Intakes for Water
https://www.nap.edu/read/10925/chapter/6 - European Journal of Clinical Nutrition – Water-induced thermogenesis
https://www.nature.com/articles/1602197 - Journal of the American Dietetic Association – Water consumption increases weight loss during a hypocaloric diet
https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0002822310006235 - Cleveland Clinic – How Staying Hydrated Helps With Weight Loss
https://health.clevelandclinic.org
رياضي، مدوّن وصانع محتوى رياضي، أدرس حاليًا لأصبح أخصائي تغذية معتمد، وممارس للتمارين الرياضية منذ أكثر من 6 سنوات. خضت تجارب متعددة في عالم الرياضة، من الكيك بوكسينغ إلى الجري، والدراجة الهوائية، والباورلفتينغ، وصولًا إلى التمرين بالمقاومة الذي التزمت به دون انقطاع.
أسستُ منصة FitspotX بعد أن لاحظت كمية المعلومات المغلوطة المنتشرة في مجال الرياضة والتغذية، خاصةً ضمن المحتوى الكتابي. من هنا انطلقت رؤيتي لبناء منصّة متكاملة، تجمع بين الأدوات والمحتوى العلمي البسيط، لتساعدك على فهم التغذية بشكل أفضل، وتحقيق أهدافك الجسدية بثقة ومعرفة.