في عالم اللياقة، ينتشر اعتقاد شائع بأنك لا تستطيع خسارة الدهون وبناء العضلات في نفس الوقت. فإما أن تدخل في “مرحلة تضخيم” لاكتساب الكتلة، أو “مرحلة تنشيف” لحرق الدهون، ولا يمكن الجمع بين الاثنين… لكن، هل هذا صحيح دائمًا؟
الحقيقة أكثر تعقيدًا مما يبدو. فقد أظهرت الدراسات والتجارب الواقعية أن الجسم، في بعض الحالات، قادر على إعادة تركيب تركيبته الجسدية (Body Recomposition)، أي بناء عضلات جديدة أثناء حرق الدهون المخزّنة.
في هذا المقال، نكشف لك متى يكون ذلك ممكنًا، ولمن تحديدًا، وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر لتحقيق هذا التوازن الصعب. إذا كنت تسعى لتغيير جذري في شكل جسمك دون المرور بمراحل تقليدية، فتابع القراءة لأنك على وشك معرفة الحقيقة الكاملة.

كيف تحدث خسارة الدهون وبناء العضلات من الناحية الفسيولوجية؟
خسارة الدهون تتطلب أن يكون الجسم في حالة عجزٍ في السعرات الحرارية، أي أن يستهلك طاقة أقل مما يحرق يوميًا. في هذه الحالة، يبدأ الجسم باستخدام الدهون المخزنة كمصدر للطاقة لتعويض النقص.
أما بناء العضلات، فيتطلّب تحفيزًا عضليًا منتظمًا من خلال التدريب بالمقاومة، بالإضافة إلى توفر كافٍ من البروتين وبعض الطاقة لدعم عملية الترميم والنمو.
وعلى الرغم من أن هذين الهدفين يبدو أنهما متناقضان، إلا أن الجسم قادر — في ظروف معينة — على تفكيك الدهون لاستخدامها كطاقة لبناء الأنسجة العضلية. وتُعرف هذه العملية بإعادة تركيب الجسم (Body Recomposition).
الحالات التي يكون فيها ذلك ممكنًا
1. المبتدئون في التمرين
الأشخاص الذين يبدؤون التمارين للمرة الأولى أو يعودون بعد انقطاع طويل، غالبًا ما يحققون مكاسب سريعة في الكتلة العضلية، حتى مع وجود عجز طفيف في السعرات.
2. الأشخاص الذين يعانون من زيادة في نسبة الدهون
من يمتلك نسبة دهون مرتفعة يستطيع الجسم استخدام مخازن الطاقة الداخلية (الدهون) لبناء العضلات، مما يسمح بتحقيق الهدفين في الوقت ذاته.
3. من يطوّر برنامجه الغذائي والتدريبي
أحيانًا، يكون السبب في عدم بناء العضلات هو ضعف النظام الغذائي أو التدريب غير الفعّال. بمجرد تحسين هذين العنصرين، يبدأ الجسم بإعادة الاستجابة وتحقيق نتائج ملحوظة حتى دون تغيير كبير في الوزن.
شروط نجاح الدمج بين خسارة الدهون وبناء العضلات
لتحقيق هذا التوازن الدقيق، لا يكفي مجرد تقليل الأكل أو التمرين بشكل عشوائي. بل يحتاج الجسم إلى بيئة مثالية تساعده على استخدام الدهون كمصدر للطاقة، مع توفير ما يلزم لبناء الأنسجة العضلية. إليك أهم الشروط بالتفصيل:
1. تناول كمية كافية من البروتين يوميًا
البروتين هو العنصر الأهم لبناء العضلات والحفاظ عليها أثناء نقص السعرات. من دون كمية كافية، يبدأ الجسم في تكسير العضلات لاستخدامها كوقود.
- الكمية الموصى بها: بين 2 إلى 2.2 غرام من البروتين لكل كغ من وزن الجسم.
- التوزيع: يُفضّل توزيع البروتين على 3–5 وجبات يوميًا، مع التركيز على مصادر عالية الجودة (مثل الدجاج، البيض، السمك، الشوفان، البروتين النباتي الكامل…).
2. عجز حراري معتدل – لا إفراط في تقليل السعرات
الخطأ الشائع هو تقليل السعرات بشكل كبير، ما يضع الجسم في حالة إجهاد ويمنع بناء أي عضلة. المطلوب هو عجز طفيف ومدروس يسمح بخسارة الدهون مع الحفاظ على الأداء.
- التوصية: تقليل 250–500 سعرة يوميًا فقط من احتياجك الأساسي.
- المراقبة: إذا لاحظت انخفاضًا شديدًا في الطاقة أو الأداء، راجع السعرات فورًا.
3. برنامج تدريبي ذكي يركّز على التقدّم التدريجي
لا تبنى العضلات بالصدفة. يجب أن يكون هناك تحفيز عضلي منتظم، من خلال تمرين مقاومة فعّال يتطوّر بمرور الوقت.
- استخدم تمارين مركّبة (مثل السكوات، الديدليفت، البنش برس).
- اعتمد على التقدّم التدريجي (Progressive Overload) في الوزن أو التكرارات.
- التمرين 3–5 مرات أسبوعيًا كافٍ إذا كان البرنامج مدروسًا.
4. نوم كافٍ وعالي الجودة
النوم ليس رفاهية… هو شرط أساسي لبناء العضل وتعافي الجسم. أثناء النوم، يفرز الجسم هرمونات النمو والبناء مثل التستوستيرون وGH.
- حاول النوم من 7 إلى 9 ساعات ليلًا.
- اجعل الغرفة مظلمة، باردة، وبدون مشتّتات.
- قلّل الكافيين قبل النوم بـ 6 ساعات على الأقل.
ذات صلة: أهمية النوم للرياضيين: سر الأداء الأفضل والتعافي السريع
5. إدارة التوتر والكورتيزول
التوتر المستمر يرفع هرمون الكورتيزول، الذي يعيق بناء العضلات ويحفّز تخزين الدهون، خصوصًا في منطقة البطن.
- مارس تمارين التنفس أو التأمل أو المشي اليومي.
- لا تجهد نفسك بتدريبات زائدة (Overtraining).
- خصّص وقتًا يوميًا للراحة الذهنية والانفصال عن مصادر الضغط.
ذات صلة: لماذا يجب أن تفهم هرمون الكورتيزول؟ العدو الخفي لعضلاتك ونومك
6. تناول كربوهيدرات كافية حسب توقيت التمرين
الكارب ليس عدوك. بل هو مصدر طاقة ضروري للأداء الجيد في التمرين، وبالتالي بناء العضلات.
- خفف الكارب في الوجبات البعيدة عن التمرين.
- ركّز الكارب حول التمرين (قبله وبعده) لتحسين الأداء والاستشفاء.
- اختر مصادر كربوهيدرات معقّدة (بطاطا، شوفان، رز بني، فواكه…).
ذات صلة: الكربوهيدرات : دليلك الشامل لفهم أنواعها، فوائدها، وخرافاتها
7. مراقبة التقدّم بأكثر من طريقة
لا تعتمد فقط على الميزان. لأن الوزن قد لا يتغيّر كثيرًا رغم أنك تخسر دهون وتبني عضل بنفس الوقت.
- استخدم الصور الأسبوعية لمقارنة الشكل.
- قِس محيط الخصر والعضلات (الذراع، الصدر…).
- راقب تطوّرك في التمارين: هل ترفع أكثر؟ هل تتحمّل أكثر؟
هل يناسب هذا الهدف الجميع؟ ولماذا لا يُنصح به دائمًا؟
رغم أن فكرة خسارة الدهون وبناء العضلات في نفس الوقت تبدو مثالية، إلا أنها لا تناسب جميع الأشخاص أو المراحل التدريبية. إليك الأسباب:
❌ لا تناسب المتدرّبين المتقدمين
إذا كنت تتمرّن بانتظام منذ سنوات، فقد أصبح جسمك أكثر “تخصّصًا” في استجابته. لذلك:
- بناء العضلات في حالة عجز سعرات يصبح بطيئًا جدًا أو غير ممكن.
- يتطلّب التقدّم تضخيمًا مخصّصًا، مع فائض طفيف ومدروس من السعرات.
- أي محاولة للجمع بين الهدفين قد تُبقيك في منطقة “ثبات” طويلة.
❌ قد تكون غير مناسبة لمن يبحث عن نتائج سريعة
من يرغب برؤية نتائج واضحة خلال فترة قصيرة، مثل نزول سريع في الوزن أو ضخامة واضحة، لن يحصل على ذلك من إعادة التركيب الجسدي، لأنها عملية بطيئة نسبيًا وتتطلّب صبرًا والتزامًا طويل الأمد.
جزء من شراكاتنا الإعلانية
❌ تتطلّب وعيًا ومراقبة دقيقة
دمج الهدفين لا يحتمل العشوائية. أي خطأ بسيط في كمية السعرات أو جودة النوم أو نوع التمارين قد يؤدي إلى:
- خسارة عضلية بدلًا من دهنية.
- أو ثبات تام في النتائج بسبب عدم كفاية التحفيز أو التغذية.
✅ لمن تكون هذه الاستراتيجية مثالية؟
- المبتدئين في التمرين (أقل من 6 شهور).
- من يمتلكون نسبة دهون مرتفعة (>20% عند الرجال، >28% عند النساء).
- من عادوا للتمرين بعد انقطاع طويل.
- من يهدفون لتحسين “شكل الجسم” بدلًا من رقم الميزان فقط.
خاتمة
الدمج بين خسارة الدهون وبناء العضلات ليس خيالًا، بل هو ممكن — ولكن بشروط.
إذا كنت مبتدئًا أو تمتلك نسبة دهون عالية، يمكنك تحقيق نتائج مذهلة دون الحاجة للتضخيم أولًا ثم التنشيف لاحقًا.
لكن هذا الهدف يحتاج إلى وعي عالٍ، برنامج مدروس، والتزام حقيقي. لا مكان للعشوائية أو الأنظمة القاسية.
تذكّر: بناء الجسم المثالي لا يعتمد فقط على عدد الكيلوغرامات المفقودة أو المكتسبة، بل على جودة النتائج التي تحققها على المدى الطويل.
أسئلة شائعة
1. هل يمكن تحقيق هذا الهدف بدون تمارين مقاومة؟
لا، بناء العضلات لا يتم إلا بوجود تحفيز عضلي من التمارين المقاومة. الكارديو وحده لن يكفي.
2. كم من الوقت يستغرق دمج الهدفين؟
عادةً من 8 إلى 16 أسبوعًا لرؤية نتائج واضحة، حسب الالتزام، نوع الجسم، والبرنامج المتّبع.
3. هل يمكن للنساء أيضًا خسارة الدهون وبناء العضلات بنفس الوقت؟
نعم، بنفس الشروط. والنتائج لدى النساء قد تكون أبطأ قليلًا بسبب الفروق الهرمونية، لكنها ممكنة.
4. هل أحتاج لمكملات غذائية؟
ليست ضرورية، لكن مكملات مثل البروتين أو الكرياتين قد تساعدك في تحقيق نتائج أفضل إن كنت لا تصل لاحتياجك من الطعام.
5. هل من الأفضل التركيز على هدف واحد فقط؟
إذا كنت متقدمًا أو تطمح لنتائج أسرع، نعم. التركيز على الضخامة أو التنشيف كلٌ على حدة يكون أكثر فعالية.
مصادر
Schoenfeld, B. J., & Aragon, A. A. (2018).
Body Recomposition: Can You Build Muscle and Lose Fat at the Same Time?
Strength and Conditioning Journal, 40(3), 80-85.
DOI: 10.1519/SSC.0000000000000351
Helms, E. R., Aragon, A. A., & Fitschen, P. J. (2014).
Evidence-based recommendations for natural bodybuilding contest preparation: nutrition and supplementation.
Journal of the International Society of Sports Nutrition, 11, 20.
DOI: 10.1186/1550-2783-11-20
Trexler, E. T., Smith-Ryan, A. E., & Norton, L. E. (2014).
Metabolic adaptation to weight loss: implications for the athlete.
Journal of the International Society of Sports Nutrition, 11, 7.
DOI: 10.1186/1550-2783-11-7
Morton, R. W., et al. (2018).
A systematic review, meta-analysis and meta-regression of the effect of protein supplementation on resistance training–induced gains in muscle mass and strength in healthy adults.
British Journal of Sports Medicine, 52(6), 376-384.
DOI: 10.1136/bjsports-2017-097608
رياضي، مدوّن وصانع محتوى رياضي، أدرس حاليًا لأصبح أخصائي تغذية معتمد، وممارس للتمارين الرياضية منذ أكثر من 6 سنوات. خضت تجارب متعددة في عالم الرياضة، من الكيك بوكسينغ إلى الجري، والدراجة الهوائية، والباورلفتينغ، وصولًا إلى التمرين بالمقاومة الذي التزمت به دون انقطاع.
أسستُ منصة FitspotX بعد أن لاحظت كمية المعلومات المغلوطة المنتشرة في مجال الرياضة والتغذية، خاصةً ضمن المحتوى الكتابي. من هنا انطلقت رؤيتي لبناء منصّة متكاملة، تجمع بين الأدوات والمحتوى العلمي البسيط، لتساعدك على فهم التغذية بشكل أفضل، وتحقيق أهدافك الجسدية بثقة ومعرفة.