تخطى إلى المحتوى

هل يمكن خسارة الدهون من منطقة معينة فقط؟

من أكثر الأسئلة التي تتكرّر بين المتدرّبين: “كيف أتخلص من دهون البطن؟” أو “هل هناك تمارين تحرق دهون الأرداف فقط؟“. قد يبدو الأمر منطقيًا للوهلة الأولى، فطالما نُمرّن هذه المنطقة باستمرار، ألا يجب أن تتأثّر أكثر من غيرها؟

لكن الحقيقة التي لا يدركها كثيرون هي أن الجسم لا يعمل بهذه الطريقة. حرق الدهون لا يتمّ وفقًا لرغبتنا أو بناءً على المنطقة التي نركّز عليها في التمارين، بل يتبع نظامًا متكاملاً يتحكم به الدماغ، والهرمونات، والعوامل الوراثية، ونمط الحياة بالكامل.

في هذا المقال سنشرح كيف يفقد الجسم الدهون فعليًا، ولماذا لا يمكن التحكم بالمكان الذي تنخفض منه أولًا. كما سنقدّم لك حلولًا عملية تساعدك على تسريع النتائج والوصول إلى الجسم الذي تطمح إليه — خطوة بخطوة، دون وعود زائفة.

ما المقصود بـ”الاستهداف الموضعي”؟

الاستهداف الموضعي (Spot Reduction) هو الاعتقاد الشائع بأنك تستطيع حرق الدهون من منطقة معيّنة في جسمك من خلال تمارين تركز عليها فقط. مثلًا، تمارين المعدة لحرق دهون البطن، أو تمارين الفخذين لتصغير الأرداف.

الفكرة مغرية جدًا، خصوصًا لمن يُعاني من تراكم دهون مزعجة في مناطق محددة، لكنها بكل بساطة: غير دقيقة علميًا. التمارين قد تقوّي وتضخم العضلات تحت الدهون، لكنها لا تملك القدرة على تحديد مكان حرق الدهون فوقها.
الجسم لا “يختار” المكان الذي يحرق منه الدهون بناءً على التمرين، بل بناءً على إشارات هرمونية وشاملة تشمل كامل الجسم.

هل فعلاً يمكن تخسيس البطن فقط؟


على الرغم من كل ما يُروّج له في الإعلانات ومقاطع التمرين المنتشرة، لا يمكن استهداف دهون البطن وحدها، مهما أكثرت من تمارين المعدة أو ركّزت على تلك المنطقة تحديدًا. الجسم لا يتعامل مع الدهون كخزّانات منفصلة نختار منها ما نشاء، بل يتبع نظامًا متكاملًا، يقرّر فيه هو من أين يبدأ الحرق.

وفي كثير من الحالات، تكون دهون البطن هي الأخيرة في النزول، لا الأولى. والسبب؟ عوامل جينية وهرمونية تحدّد نمط تخزين الدهون وتوزيع مستقبلات الحرق في مختلف أنحاء الجسم.

قد ترى وجهك ينحف سريعًا، أو ذراعيك يفقدان بعض الحجم، بينما يبقى البطن كما هو. وهذا طبيعي تمامًا، لكنه لا يعني أن ما تفعله بلا جدوى — بل يعني فقط أنك تحتاج إلى الاستمرار، وستصل.

رأي العلم: كيف يحرق الجسم الدهون فعلًا؟


عندما تقلّ السعرات التي تدخل إلى جسمك عن تلك التي يستهلكها، يبدأ الجسم بتكسير الدهون المخزّنة لتحويلها إلى طاقة. لكن ما لا يعرفه كثيرون هو أن الجسم لا “يختار” المكان الذي يسحب منه هذه الدهون بناءً على التمرين، بل بناءً على إشارات داخلية تشمل الجهاز العصبي، والهرمونات، ومستقبلات معيّنة في الخلايا الدهنية.

كل منطقة في الجسم تحتوي على نوعين من المستقبلات:

  • مستقبلات ألفا (α): تُبطئ عملية حرق الدهون.
  • مستقبلات بيتا (β): تُسرّع حرق الدهون.

والمشكلة؟ أن المناطق “العنيدة” مثل البطن والأرداف، غالبًا ما تحتوي على نسبة أعلى من مستقبلات ألفا، مما يجعل نزول الدهون منها أبطأ مقارنة بمناطق أخرى.

إضافة إلى ذلك، الدورة الدموية في تلك المناطق أضعف نسبيًا، مما يحدّ من وصول الإشارات والهرمونات الدافعة للحرق، ويُفسّر لماذا نشعر ببطء التغيير فيها، رغم التزامنا.

أمثلة على خرافات منتشرة


رغم التقدّم العلمي، لا تزال الخرافات المرتبطة بحرق الدهون من مناطق محددة منتشرة في كل مكان. إليك بعض الأمثلة الشائعة:

  • “اعمل تمارين بطن يوميًا لتخسيس الكرش”
    الحقيقة: تمارين البطن تقوّي العضلات تحت الدهون، لكنها لا تحرق دهون البطن مباشرة.
  • “الأجهزة الهزازة أو الأحزمة الحرارية تذيب الدهون”
    الحقيقة: هذه مجرد أدوات تسويقية لا تؤثر على عملية حرق الدهون الفعلية.
  • “شرب الماء الحار أو الليمون على الريق يذيب دهون البطن”
    الحقيقة: لا يوجد مشروب يذيب الدهون من منطقة محددة، وكل هذه الوصفات لا تقوم بأكثر من ترطيب الجسم وتحفيز الهضم.
  • “تمرين السكوات ينحّف الأرداف والمؤخرة”
    الحقيقة: السكوات يقوّي عضلات المؤخرة والفخذ، لكنه لا يستهدف دهون المنطقة بشكل موضعي.

مثل هذه الخرافات تزرع توقعات غير واقعية وتؤدي إلى الإحباط، لأن الشخص قد يلتزم بتمارين معيّنة ولا يرى النتيجة التي يتوقّعها، دون أن يدرك أن المشكلة ليست في التمرين، بل في الفكرة نفسها.

ماذا تفعل إن كنت تريد خسارة دهون من منطقة معينة؟


رغم أنه لا يمكنك التحكم بمكان نزول الدهون، إلا أنك تستطيع التحكم بسرعة العملية كلها. كلما التزمت بنمط حياة صحي وموجّه، كلما بدأ جسمك بتفريغ مخازن الدهون — من كل الأماكن، بما فيها المناطق العنيدة.

إليك ما يجب أن تركّز عليه:

  • احسب احتياجك من السعرات بدقة
    وابدأ بعجز معتدل (حوالي 15–20% من احتياجك)، حتى تسمح للجسم بحرق الدهون دون التضحية بالعضلات.
  • اتّبع نظامًا غذائيًا عالي البروتين
    لأن البروتين يحافظ على الكتلة العضلية ويعزز الشعور بالشبع، مما يساعدك على الاستمرار دون جوع أو ضعف.
  • مارس تمارين المقاومة بانتظام
    لأن التمارين الشاملة للجسم (وليس فقط تمارين البطن أو الأرداف) تُبقي معدل الأيض مرتفعًا، وتُعيد تشكيل الجسم بطريقة متناسقة.
  • أضف نشاطًا يوميًا بسيطًا (NEAT)
    مثل المشي، صعود الدرج، أو الحركة أثناء اليوم. هذه الأنشطة تحرق سعرات دون أن تشعر، وتُسرّع النتائج بشكل مذهل.
  • اصبر… ثم اصبر مرة أخرى
    لأن المناطق العنيدة تحتاج وقتًا أطول، ولا فائدة من الاستعجال أو تغيير الخطة كل أسبوع.

كل شخص يمرّ بمرحلة يشعر فيها أن الدهون في مكان معيّن “لا تريد أن تزول”. استمرّ، وثق بأن الجسم يُغيّر شكله بالتدريج، لا دفعة واحدة.

خاتمة

خسارة الدهون لا تتم حسب الطلب، ولا توجد طريقة لحرق الدهون من “منطقة واحدة فقط”. الجسم يتبع قواعده الخاصة، والدهون تختفي بشكل تدريجي من مختلف المناطق — وغالبًا ما تكون المناطق الأكثر إزعاجًا هي الأصعب والأبطأ في الاستجابة.

لكن هذا لا يعني أن الأمر مستحيل.
بالعكس، الالتزام بنظام غذائي محسوب، مع تمارين شاملة ونشاط يومي، كفيل بتغيير شكل جسمك بالكامل على المدى الطويل — حتى لو بدأ التغيير من مكان غير الذي تريده.

أسئلة شائعة

هل هناك تمارين تذيب دهون البطن فقط؟
لا، لا يمكن استهداف دهون منطقة محددة بالتمارين. تمارين البطن تقوّي العضلات لكنها لا تحرق الدهون فوقها مباشرة.

طيب ليش في ناس بتخسّ بسرعة من البطن أو الأرداف؟
الأمر يعود لعوامل جينية وهرمونية. بعض الأجسام تستجيب بسرعة في مناطق معينة أكثر من غيرها، حسب توزيع مستقبلات الحرق.

هل الأحزمة الحرارية أو الكريمات الموضعية تساعد؟
لا، هذه الأدوات قد تزيد التعرّق مؤقتًا لكنها لا تؤثر على حرق الدهون الفعلي. التأثير ظاهري فقط.

هل الصيام المتقطع يسرّع خسارة الدهون من مناطق عنيدة؟
الصيام قد يساعدك على التحكم في السعرات وتحسين حساسية الإنسولين، لكن لا يضمن نزول الدهون من منطقة معيّنة دون غيرها.

جزء من شراكاتنا الإعلانية

متى أبدأ ألاحظ تغيير في شكل البطن أو الأرداف؟
غالبًا بعد خسارة 4–6 كغ من الدهون بشكل عام، يبدأ الجسم بالتغيّر البصري تدريجيًا، ويظهر التأثير في المناطق “العنيدة” في مراحل لاحقة من التنشيف.

المصادر

McDonald, L. The Stubborn Fat Solution. Lyle McDonald Publishing.

Stallknecht, B., et al. (2007). “Fat metabolism in human adipose tissue: Regional differences and effect of exercise.” Acta Physiologica, 191(2), 193–201.

Horowitz, J. F. (2003). “Fatty acid mobilization from adipose tissue during exercise.” Trends in Endocrinology & Metabolism, 14(8), 386–392.

Børgesen, M., et al. (2009). “Adrenoceptor expression in human subcutaneous abdominal and femoral adipose tissue: Influence of obesity and weight loss.” Journal of Clinical Endocrinology & Metabolism, 94(11), 4076–4083.

Kraemer, W. J., et al. (1996). “Resistance training and spot reduction: Myth or reality?” Journal of Strength and Conditioning Research, 10(1), 13–24.

f
مقالات الكاتب

رياضي، مدوّن وصانع محتوى رياضي، أدرس حاليًا لأصبح أخصائي تغذية معتمد، وممارس للتمارين الرياضية منذ أكثر من 6 سنوات. خضت تجارب متعددة في عالم الرياضة، من الكيك بوكسينغ إلى الجري، والدراجة الهوائية، والباورلفتينغ، وصولًا إلى التمرين بالمقاومة الذي التزمت به دون انقطاع.

أسستُ منصة FitspotX بعد أن لاحظت كمية المعلومات المغلوطة المنتشرة في مجال الرياضة والتغذية، خاصةً ضمن المحتوى الكتابي. من هنا انطلقت رؤيتي لبناء منصّة متكاملة، تجمع بين الأدوات والمحتوى العلمي البسيط، لتساعدك على فهم التغذية بشكل أفضل، وتحقيق أهدافك الجسدية بثقة ومعرفة.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x